قدمت الحركة الإسلامية المعاصرة عبر مسيرتها الإصلاحية تجربة فكرية ثرية تنوعت ينابيع ثرائها ما بين إحيائها مفاهيم الإسلام الحية، وبين محاورتها الرصينة واستفادتها الواعية من الفكر الإنساني الحديث، وما بين ريادة الفكر لمسيرة الإصلاح، واستجابته الواقعية لحقائق الأحوال ومعطيات الزمان.
هذا الثراء في مصادر التفكير عند هذه المدرسة، وهذا التنوع في اهتمامها نتج عنه –رغم وحدة الأصول واتفاق المرجعية- ثراء آخر في الآراء حَوَّل المدرسة الأصلية إلى مدارس واتجاهات فرعية تتعدد تصنيفاتها باختلاف تجاربها الإصلاحية و آرائها الفكرية، ولكن يمكن الإشارة إلى خطين بارزين يمكن إدراج تفرعات هذه المدرسة داخلهما، حافَظَ أحدهما على أساسيات الخط الذي سلكته هذه المدرسة، أما الخط الآخر فإنه تبنى آراء جديدة على هذا الخط ولاسيما في قضايا الفكر السياسي والحقوقي المعاصر، وآليات العمل الإصلاحي.
ومع أن هذا التمايز ملحوظ للجميع بشكل بارز منذ أكثر من عقد سواء في تجارب سياسية لحركات وأحزاب، أو في آراء ومواقف لمفكرين، فإن الكتابة عنه وتصنيفه و إعادته إلى الخلفيات الفكرية المسببة له لا تزال دون ما يستحقه، خاصة بعد أن أصبحت الحركات الإسلامية حاكمة أو على وشك الحكم في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وهو ما يتطلب من الكتاب تبصير الناس بالمشروع الذي سيحكمهم بمقولاته وبرامجه، ومن هنا فإن هذا المقال –الذي يقتبس من عنوان كتاب شيخ متكلمي أهل السنة أبي الحسن الأشعري في مقولات الفرق الإسلامية- مساهمة بسيطة حول موضوع أرى أنه يحتاج موسوعات وليس كتبا فقط ناهيك بمقالات ولكنه مقدار الجهد.
وفي هذا المقال سأرصد عناوين الخلاف بين هذين الخطين في مجال أولويات الإصلاح، وطبيعة الفكر السياسي المساير للواقع ونمط الخطاب الإسلامي الملائم للعصر.
هذا الثراء في مصادر التفكير عند هذه المدرسة، وهذا التنوع في اهتمامها نتج عنه –رغم وحدة الأصول واتفاق المرجعية- ثراء آخر في الآراء حَوَّل المدرسة الأصلية إلى مدارس واتجاهات فرعية تتعدد تصنيفاتها باختلاف تجاربها الإصلاحية و آرائها الفكرية، ولكن يمكن الإشارة إلى خطين بارزين يمكن إدراج تفرعات هذه المدرسة داخلهما، حافَظَ أحدهما على أساسيات الخط الذي سلكته هذه المدرسة، أما الخط الآخر فإنه تبنى آراء جديدة على هذا الخط ولاسيما في قضايا الفكر السياسي والحقوقي المعاصر، وآليات العمل الإصلاحي.
ومع أن هذا التمايز ملحوظ للجميع بشكل بارز منذ أكثر من عقد سواء في تجارب سياسية لحركات وأحزاب، أو في آراء ومواقف لمفكرين، فإن الكتابة عنه وتصنيفه و إعادته إلى الخلفيات الفكرية المسببة له لا تزال دون ما يستحقه، خاصة بعد أن أصبحت الحركات الإسلامية حاكمة أو على وشك الحكم في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وهو ما يتطلب من الكتاب تبصير الناس بالمشروع الذي سيحكمهم بمقولاته وبرامجه، ومن هنا فإن هذا المقال –الذي يقتبس من عنوان كتاب شيخ متكلمي أهل السنة أبي الحسن الأشعري في مقولات الفرق الإسلامية- مساهمة بسيطة حول موضوع أرى أنه يحتاج موسوعات وليس كتبا فقط ناهيك بمقالات ولكنه مقدار الجهد.
وفي هذا المقال سأرصد عناوين الخلاف بين هذين الخطين في مجال أولويات الإصلاح، وطبيعة الفكر السياسي المساير للواقع ونمط الخطاب الإسلامي الملائم للعصر.
أ: أولويات الإصلاح..أو علاقة السياسي والدعوي
لقد اعتمدت الحركة الإسلامية في منهجها ضرورة تبني خط إصلاح شامل يقيم الشأن العام ويصلح أحوال المجتمعات وأنفس الأفراد من خلال مزاوجته بين العمل السياسي والتربية الدعوية، ورأت أنها بذلك تجاوزت الخلاف الكبير الذي كان قائما قبلها بين مدارس الإصلاح وخاصة التي سبقتها بقليل مثل مدرسة الإمام محمد عبده رحمه الله التربوية ومنهج الإمام جمال الدين الأفغاني رحمه الله السياسي، وكانت الحركة الإسلامية - وما زالت وبشتى تجاربها- ترى أن ميزة منهجها أنها حسمت من الناحية النظرية أهمية تبني الإصلاحين، ولكن في التنزيل وخاصة في العقود الأخيرة بدأ الخلاف يتمحور حول الطريقة التي يجمع بها بين هذين المجالين.
وقد طال هذا الخلاف عدة أمور؛ منها الأولوية حيث كانت هنالك آراء عند البعض عن أهمية التركيز على الإصلاح السياسي بوصف منكر السلاطين أكبر المناكر، وفسادهم لا يجدي معه صلاح مجتمع ولا استقامة أفراد، وكان للبعض الآخر رأي بإعطاء نفس الأهمية للدور الدعوي لكسب المجتمع وإصلاحه، وعلى هامش كل من هذين الرأيين كان بعض من يتبنونه يميلون ميلة أو كل الميل إلى ما يوصف إخوانيا بالاتجاهات غير الشمولية: الاتجاه الدعوي والذي يصنف فيه عادة التبليغيون والاتجاه السياسي الذي يصنف فيه التحريريون.
كما طال الخلاف الشكل التنظيمي الذي يتبلور فيه كل من النشاط السياسي والنشاط الدعوي، وقد تفرعت من هذه الجزئية عدة فروع (إن جاز استخدام عبارات الفقهاء) منها مسألة الإسرار والإعلان في التنظيم، ومنها العلاقة بين الأطر الدعوية والأطر السياسية، وكانت هنالك عدة تجارب منها مثلا تجربة الحركة الأم في مصر والتي ظلت في ما قبل ثورة 25 يناير محافظة على شكل الجماعة ورافضة لتأسيس حزب مكتفية بقسم سياسي.
و مع أنه قد يكون سبب ذلك هو عدم إمكانية تأسيس حزب إسلامي في ظل النظام السابق، (فحتى محاولة المهندس أبو العلا ماضي- الذي انفصل عن الجماعة سنة 94 لترخيص حزب الوسط- لم يكتب لها النجاح إلا بعد الثورة ) إلا أنه حين أمكن للجماعة ترخيص حزب فإنه جاء تابعا للجماعة بصراحة، وهو أمر تتبناه التجارب الأقرب من الحركة الأم، مثل حركة الإخوان المسلمين في الأردن، فنظامها الأساسي ينص صراحة وعلانية على أن أعضاء الإخوان في حزب جبهة العمل الإسلامي ملزمون بقرار مجلس شورى الجماعة فيمن يتولى أمانة الحزب العامة.
في المقابل برزت تجارب أخرى تدعو إلى التخصص التكاملي وأن يكون لكل من السياسة والدعوة إطار مستقل حتى دون إطار أكبر ينسق بينهما، وتذكر هنا التجربة المغربية مع حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح حيث كان لكل من الإطارين استقلاله التام وتمايزه المطلق مع الإطار الآخر، حتى أنه من حرص "إخوان" المغرب على هذا التمايز صاروا يحرصون على أن لا تزدوج عضوية أي شخص في الهيئات القيادية للإطارين.
ومن الواضح أنه إذا كان الخلاف حول النقطة الأخيرة يدخل في الخلاف حول الأساليب بمعنى أنه ذا طبيعة إجرائية، أو هكذا منطلقه على الأقل ، فإن الخلاف حول مبدأ الأولوية هو خلاف ذو طبيعة نظرية وهو كما قلت سابقا امتداد للخلاف حول أولوية السياسة والدعوة في الإصلاح، وهو الخلاف الممتد في تاريخ الأمة عبر تاريخ الإصلاح (أنظر مثلا الكتاب القيم للدكتور عبد المجيد النجار: الإصلاح بين السياسة والتربية/ابن العربي وابن تومرت نموذجا)
وقد طال هذا الخلاف عدة أمور؛ منها الأولوية حيث كانت هنالك آراء عند البعض عن أهمية التركيز على الإصلاح السياسي بوصف منكر السلاطين أكبر المناكر، وفسادهم لا يجدي معه صلاح مجتمع ولا استقامة أفراد، وكان للبعض الآخر رأي بإعطاء نفس الأهمية للدور الدعوي لكسب المجتمع وإصلاحه، وعلى هامش كل من هذين الرأيين كان بعض من يتبنونه يميلون ميلة أو كل الميل إلى ما يوصف إخوانيا بالاتجاهات غير الشمولية: الاتجاه الدعوي والذي يصنف فيه عادة التبليغيون والاتجاه السياسي الذي يصنف فيه التحريريون.
كما طال الخلاف الشكل التنظيمي الذي يتبلور فيه كل من النشاط السياسي والنشاط الدعوي، وقد تفرعت من هذه الجزئية عدة فروع (إن جاز استخدام عبارات الفقهاء) منها مسألة الإسرار والإعلان في التنظيم، ومنها العلاقة بين الأطر الدعوية والأطر السياسية، وكانت هنالك عدة تجارب منها مثلا تجربة الحركة الأم في مصر والتي ظلت في ما قبل ثورة 25 يناير محافظة على شكل الجماعة ورافضة لتأسيس حزب مكتفية بقسم سياسي.
و مع أنه قد يكون سبب ذلك هو عدم إمكانية تأسيس حزب إسلامي في ظل النظام السابق، (فحتى محاولة المهندس أبو العلا ماضي- الذي انفصل عن الجماعة سنة 94 لترخيص حزب الوسط- لم يكتب لها النجاح إلا بعد الثورة ) إلا أنه حين أمكن للجماعة ترخيص حزب فإنه جاء تابعا للجماعة بصراحة، وهو أمر تتبناه التجارب الأقرب من الحركة الأم، مثل حركة الإخوان المسلمين في الأردن، فنظامها الأساسي ينص صراحة وعلانية على أن أعضاء الإخوان في حزب جبهة العمل الإسلامي ملزمون بقرار مجلس شورى الجماعة فيمن يتولى أمانة الحزب العامة.
في المقابل برزت تجارب أخرى تدعو إلى التخصص التكاملي وأن يكون لكل من السياسة والدعوة إطار مستقل حتى دون إطار أكبر ينسق بينهما، وتذكر هنا التجربة المغربية مع حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح حيث كان لكل من الإطارين استقلاله التام وتمايزه المطلق مع الإطار الآخر، حتى أنه من حرص "إخوان" المغرب على هذا التمايز صاروا يحرصون على أن لا تزدوج عضوية أي شخص في الهيئات القيادية للإطارين.
ومن الواضح أنه إذا كان الخلاف حول النقطة الأخيرة يدخل في الخلاف حول الأساليب بمعنى أنه ذا طبيعة إجرائية، أو هكذا منطلقه على الأقل ، فإن الخلاف حول مبدأ الأولوية هو خلاف ذو طبيعة نظرية وهو كما قلت سابقا امتداد للخلاف حول أولوية السياسة والدعوة في الإصلاح، وهو الخلاف الممتد في تاريخ الأمة عبر تاريخ الإصلاح (أنظر مثلا الكتاب القيم للدكتور عبد المجيد النجار: الإصلاح بين السياسة والتربية/ابن العربي وابن تومرت نموذجا)
ب: أي فكر سياسي لدولة الإسلام؟
إذا كان الخلاف السابق انصب بالأساس على دور الحركة الإسلامية وأولوياته في مجال الإصلاح، فإن الخلاف التالي يتمحور حول إشكاليات في الفكر السياسي الإسلامي نجمت عن احتكاك المشروع السياسي للحركة الإسلامية تنظيرا وممارسة بواقع الدولة المعاصرة والمنظومة الدستورية الحديثة بمفاهيمها ومرجعياتها و ضرورة التعاطي معها والاستفادة منها، لكن المدرستين الإسلاميتين تباينتا في درجة الاقتباس من هذه المنظومة وإدراجها ضمن المشروع الخاص بها، ولعل في الأمثلة التالية تدليلا على ذلك:
1- دور الدولة في حماية الأخلاق العامة: فهناك من يرى أن دور الدولة الإسلامية هو حراسة الدين وأخلاقه العامة وتؤديه من خلال وسائلها التربوية وطرق الإقناع العامة وصناعة الرأي والسمت العامين، بالإضافة لـ"وازع سلطانها" وآلياتها القانونية، وإن كان هؤلاء لا يجادلون أن التنزيل التطبيقي لهذه الآراء ما زال يتطلب تدرجا وتهيئة للمجتمع الذي انقطع عن سمت الشريعة في مجاله العام منذ دهور.
لكن هنالك مفكرون آخرون يرون أن عملية الأسلمة تتم من خلال تحقيق العدل والحرية السياسية والكرامة الإنسانية بما يضمن جوا تنتعش فيه مبادئ الإسلام العامة من أخلاق وتقوى بتبني المواطنين وتشجيع الدولة بإشاعة الأخلاق من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام ولكن دون أن يكون للقانون أو بعبارة أدق الأحكام العملية دور في ذلك.
2- مدنية الدولة وإسلاميتها: إذا كان الذي يتبادر للذهن أن كلا الفرقين يصنف الدولة المنشودة بانها دولة إسلامية وأنها دولة مدنية إلا أنه عند استعراض بعض الآراء حول بعض إشكاليات الدولة المعاصرة فسوف نرى أن هنالك خلافا ولو بسيطا بين طبيعة الدولة التي ينظر لها كلا الفرقين ومثال ذلك قضية المواطنة والأساس الفكري الذي تقوم عليه فعند مراجعة آراء المدرستين سنجد الفرق واضحا بين من يدعو لدولة المواطنة القائمة على أساس العقد الاجتماعي والتي تنظر، من حيث هي دولة، إلى المواطنين على مساواة تامة ليس فقط في الحقوق والواجبات وإنما في مركزهم الدستوري تجاه الدولة، وبين من يدعو للدولة الإسلامية القائمة على أساس المهمة الإسلامية لكنها مع ذلك تحترم لمواطنيها غير المسلمين بحقوقهم ومكانتهم التي لا تنال من الطابع العقدي لهذه الدولة.
3- الموقف من منظومة المفاهيم الحقوقية للفلسفة الليبرالية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والحريات العامة، فمراجعة الاقتباس الفكري لهذه المفاهيم لدى المدرستين يكشف لنا تباينا –وإن خف وخفي- لدى المدرستين يمكن التعبير عنه بأن المدرسة الحداثية أكثر تأثرا باعتماد هذه المفاهيم "مرجعية" من الناحية الفكرية (يقول بعض أقطاب المدرسة الثانية إن ذلك قد يصل بمدرسة الحداثة إلى اعتماد هذه المنظومة في فهم جوانب من الإسلام وتحكيمها فيه) أما المدرسة الكلاسيكية فإن تعاملها مع هذه المفاهيم ينصب أساسا على النواحي الإجرائية والعملية (أو بعبارة أخرى السياسية والقانونية) و إن لم تسلم من تسربها إلى تصوراتها الفكرية في المجالات التي لا تتقاطع فيها مع المعروف في التراث الإسلامي.
1- دور الدولة في حماية الأخلاق العامة: فهناك من يرى أن دور الدولة الإسلامية هو حراسة الدين وأخلاقه العامة وتؤديه من خلال وسائلها التربوية وطرق الإقناع العامة وصناعة الرأي والسمت العامين، بالإضافة لـ"وازع سلطانها" وآلياتها القانونية، وإن كان هؤلاء لا يجادلون أن التنزيل التطبيقي لهذه الآراء ما زال يتطلب تدرجا وتهيئة للمجتمع الذي انقطع عن سمت الشريعة في مجاله العام منذ دهور.
لكن هنالك مفكرون آخرون يرون أن عملية الأسلمة تتم من خلال تحقيق العدل والحرية السياسية والكرامة الإنسانية بما يضمن جوا تنتعش فيه مبادئ الإسلام العامة من أخلاق وتقوى بتبني المواطنين وتشجيع الدولة بإشاعة الأخلاق من خلال المناهج التعليمية ووسائل الإعلام ولكن دون أن يكون للقانون أو بعبارة أدق الأحكام العملية دور في ذلك.
2- مدنية الدولة وإسلاميتها: إذا كان الذي يتبادر للذهن أن كلا الفرقين يصنف الدولة المنشودة بانها دولة إسلامية وأنها دولة مدنية إلا أنه عند استعراض بعض الآراء حول بعض إشكاليات الدولة المعاصرة فسوف نرى أن هنالك خلافا ولو بسيطا بين طبيعة الدولة التي ينظر لها كلا الفرقين ومثال ذلك قضية المواطنة والأساس الفكري الذي تقوم عليه فعند مراجعة آراء المدرستين سنجد الفرق واضحا بين من يدعو لدولة المواطنة القائمة على أساس العقد الاجتماعي والتي تنظر، من حيث هي دولة، إلى المواطنين على مساواة تامة ليس فقط في الحقوق والواجبات وإنما في مركزهم الدستوري تجاه الدولة، وبين من يدعو للدولة الإسلامية القائمة على أساس المهمة الإسلامية لكنها مع ذلك تحترم لمواطنيها غير المسلمين بحقوقهم ومكانتهم التي لا تنال من الطابع العقدي لهذه الدولة.
3- الموقف من منظومة المفاهيم الحقوقية للفلسفة الليبرالية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والحريات العامة، فمراجعة الاقتباس الفكري لهذه المفاهيم لدى المدرستين يكشف لنا تباينا –وإن خف وخفي- لدى المدرستين يمكن التعبير عنه بأن المدرسة الحداثية أكثر تأثرا باعتماد هذه المفاهيم "مرجعية" من الناحية الفكرية (يقول بعض أقطاب المدرسة الثانية إن ذلك قد يصل بمدرسة الحداثة إلى اعتماد هذه المنظومة في فهم جوانب من الإسلام وتحكيمها فيه) أما المدرسة الكلاسيكية فإن تعاملها مع هذه المفاهيم ينصب أساسا على النواحي الإجرائية والعملية (أو بعبارة أخرى السياسية والقانونية) و إن لم تسلم من تسربها إلى تصوراتها الفكرية في المجالات التي لا تتقاطع فيها مع المعروف في التراث الإسلامي.
ج: أي خطاب لتقديم الإسلام؟
على مستوى الخطاب الحامل للمشروع الإسلامي والمعبر عنه يمكن لنا أن نلمس تباينا بين المدرستين في وجهين من أوجه هذا الخطاب:
أولهما وهو الأصرح في الخلافية هو حول نمط الخطاب الذي ينبغي أن يركز عليه وهو ما اصطلح عليه بخطاب الهوية وخطاب البرامج، حيث يرى "القطاع الحداثي" أن على الإسلاميين أن يكون خطابهم منصبا على الهموم التي يعيشها المواطنون وكيفية إخراجهم منها وصوغ البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تقدم الحلول للمشكلات التي يغرق فيها عالمنا، كما يرى بعضهم أن ما يسمونه "الخطاب الهوياتي" التي يظهر المسلمون في منظر المتقوقع في خصوصيته والضعيف في ثقافته لا يليق بأمة تمتلك حضارة وثقافة قائمتين على العقل، ودينا معتمدا على الإقناع وقادرا على المنافسة في معمعان الفكر وعالم الآراء.
في المقابل لا يرى من بات يوصف بالقطاع التقليدي في الحركة الإخوانية غضاضة في إيلاء اهتمام كبير لمسألة الهوية في خطابه وأدائه، معتمدا على أن الإصلاح المنشود هو إصلاح شامل يعتني بأمور الهوية وأمور المعاش في نفس الوقت، ولكل آلياته ومجاله، وقد يصف بعض قطاعات "المحدثين" بأنهم صارت لديهم حساسية من خطاب الهوية بسبب تجاربهم في البيئات المختلطة والثقافات المخالفة.
المجال الثاني الذي يمكن تلمس اختلاف خطاب المدرستين حوله ليس متعلقا هذه المرة بموضوع الخطاب وإنما بـ"مفردات الخطاب" (طبعا ليست المفردات بالمعنى اللغوي الأسلوبي، وإنما بالمعنى الفكري الموضوعي) فإذا كان خطاب المدرسة الحداثية تحضر فيه أكثر مفاهيم حقوق الإنسان، والمواطنة، والعلاقات بالآخر، فإن خطاب التيار الثاني تحتل فيه المساعةَ الأوسع مفاهيمُ الأصالة، و خصوصية المسلم، وعالمية الإسلام إلى آخره.
أولهما وهو الأصرح في الخلافية هو حول نمط الخطاب الذي ينبغي أن يركز عليه وهو ما اصطلح عليه بخطاب الهوية وخطاب البرامج، حيث يرى "القطاع الحداثي" أن على الإسلاميين أن يكون خطابهم منصبا على الهموم التي يعيشها المواطنون وكيفية إخراجهم منها وصوغ البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تقدم الحلول للمشكلات التي يغرق فيها عالمنا، كما يرى بعضهم أن ما يسمونه "الخطاب الهوياتي" التي يظهر المسلمون في منظر المتقوقع في خصوصيته والضعيف في ثقافته لا يليق بأمة تمتلك حضارة وثقافة قائمتين على العقل، ودينا معتمدا على الإقناع وقادرا على المنافسة في معمعان الفكر وعالم الآراء.
في المقابل لا يرى من بات يوصف بالقطاع التقليدي في الحركة الإخوانية غضاضة في إيلاء اهتمام كبير لمسألة الهوية في خطابه وأدائه، معتمدا على أن الإصلاح المنشود هو إصلاح شامل يعتني بأمور الهوية وأمور المعاش في نفس الوقت، ولكل آلياته ومجاله، وقد يصف بعض قطاعات "المحدثين" بأنهم صارت لديهم حساسية من خطاب الهوية بسبب تجاربهم في البيئات المختلطة والثقافات المخالفة.
المجال الثاني الذي يمكن تلمس اختلاف خطاب المدرستين حوله ليس متعلقا هذه المرة بموضوع الخطاب وإنما بـ"مفردات الخطاب" (طبعا ليست المفردات بالمعنى اللغوي الأسلوبي، وإنما بالمعنى الفكري الموضوعي) فإذا كان خطاب المدرسة الحداثية تحضر فيه أكثر مفاهيم حقوق الإنسان، والمواطنة، والعلاقات بالآخر، فإن خطاب التيار الثاني تحتل فيه المساعةَ الأوسع مفاهيمُ الأصالة، و خصوصية المسلم، وعالمية الإسلام إلى آخره.
تشابك ثقافي
من الواضح من هذا العرض أن الحركة الإسلامية التي دخلت خلال مسيرتها الطويلة أكثر من حوار، فكريا وسياسيا، مع المنظومات المعاصرة وخاضت بتصورها الفكري المبني على المرجعية الإسلامية معمعان إصلاح لمجالات مختلفة من حياة الأمة المعاصرة من القانون إلى الفكر والثقافة والاقتصاد: ما كان لها إلا تظل تراجع مقولاتها وتجددها بتجدد الأحوال، لكن هذه المراجعة تكون أحيانا بشكل غير مقصود بسبب إِلْفِ مقولات الطرف المحاوَر، ووعي هذه الحقيقة الأخيرة –وكذلك التوجس غير الواعي منها- قد يدفع بأطراف إسلامية إلى الجمود على آراء لا تناسب الزمن، وتجلية الفارق بين هذين المحظورين من دوافع هذه العجالة، والله المستعان.
من الواضح من هذا العرض أن الحركة الإسلامية التي دخلت خلال مسيرتها الطويلة أكثر من حوار، فكريا وسياسيا، مع المنظومات المعاصرة وخاضت بتصورها الفكري المبني على المرجعية الإسلامية معمعان إصلاح لمجالات مختلفة من حياة الأمة المعاصرة من القانون إلى الفكر والثقافة والاقتصاد: ما كان لها إلا تظل تراجع مقولاتها وتجددها بتجدد الأحوال، لكن هذه المراجعة تكون أحيانا بشكل غير مقصود بسبب إِلْفِ مقولات الطرف المحاوَر، ووعي هذه الحقيقة الأخيرة –وكذلك التوجس غير الواعي منها- قد يدفع بأطراف إسلامية إلى الجمود على آراء لا تناسب الزمن، وتجلية الفارق بين هذين المحظورين من دوافع هذه العجالة، والله المستعان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.